في مشهد الموسيقى العربية المستقلة الذي يشهد تطورًا متسارعًا، ظهر أرشيف الموسيقى العربية المستقلة AIMA كمنصة رائدة متخصصة في توثيق ورصد الفنانين وتوصيلهم عبر المنطقة. ما بدأ كمشروع بحثي جامعي، تحوّل إلى مبادرة متكاملة تهدف إلى حفظ وأرشفة تطور الموسيقى المستقلة في العالم العربي. ومن خلال نهج قائم على البيانات، يعمل هذا المشروع على سد الفجوة بين الإبداع الفني وصناعة الموسيقى، حيث يوفّر أرشيفًا ديناميكيًا يبرز الأهمية الثقافية والتاريخية للمشهد الموسيقي العربي، ويعزز الروابط بين الفنانين والأنماط الموسيقية والمجتمعات.

الرؤية وراء أرشيف الموسيقى العربية المستقلة 

وُلد هذا المشروع من شغف عميق بالموسيقى المستقلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفقًا للمؤسس فادي جرجس حلمي، حيث قال: "لطالما وجدتُ في هذا المشهد تأثيرًا قويًا ويعبّر عن العديد، فهو مشهد أصيل يعكس قصصًا حقيقية ورسائل قوية".

 استلهم فادي الفكرة خلال بحثه في مشروع تخرّجه، عندما شاهد الفيلم الوثائقي Palestine Underground الذي استعرض تواصل الموسيقيين الفلسطينيين في رام الله والضفة الغربية مع نظرائهم في تل أبيب ويافا. وأضاف: "رغم سنوات الانفصال، استطاعوا إعادة روابطهم من خلال شغفهم المشترك بالموسيقى، وخاصة في أنماط مثل الهيب هوب والتراب والتكنو." هذا ما دفع حلمي للتساؤل عن كيفية قدرة الموسيقى على كسر الحواجز الجغرافية والثقافية، ليكون ذلك الأساس الذي قام عليه المشروع.

ما الذي يقدّمه أرشيف الموسيقى العربية المستقلة؟

لا يُعد هذا الأرشيف مجرد قاعدة بيانات، بل هو منصة تفاعلية قائمة تهدف إلى رسم خريطة المشهد الموسيقي المستقل عبر:

• ملفات تعريف شاملة للفنانين تتضمن السيرات الذاتية والديسكوغرافيا والأساليب الموسيقية.

• خرائط تفاعلية تُظهر الروابط بين الفنانين ومدنهم والأنماط الموسيقية المختلفة.

• رؤى وتحليلات تساعد الصحفيين الموسيقيين والباحثين والمتخصصين في المجال على استكشاف اتجاهات الموسيقى المستقلة.

من خلال هذه البنية للموقع الرسمي، يقدّم الأرشيف نظرة أعمق على تأثير الموسيقى المستقلة وربطها مع سياقاتها الثقافية والجغرافية.

فريق العمل خلف المشروع

عمل فادي جرجس حلمي على بناء المشروع مع فريق متعدد التخصصات، ،ذلك بعد تأمين تمويل من الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع اتّحاد المعاهد الثقافية الأوروبية بمصر، ويضم الفريق الأساسي:

• فادي جرجس حلمي – مؤسس المشروع والمصمم للمرئيات، بخبرة كباحث ومصمم متعدد التخصصات.

• نوران العشري – باحثة رئيسية ومنسقة المشروع، حاصلة على ماجستير في الصحافة والاتصال الجماهيري.

• موسى الحسيني – باحث رئيسي وموسيقي، متخصص في علم النفس السريري من جامعة SWPS.

• مروان العشري – باحث مساعد ساهم في توثيق 400 موسيقي مصري.

• عمار منلا حسن – مسؤول جودة البيانات، بخبرة مع أرشيف الكاسيت السوري ومبادرة Taxir.

• محمد إبراهيم – عالم بيانات في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، مسؤول عن تحويل البيانات إلى تصورات بصرية تفاعلية.

• فاطمة جمال – مطورة الويب التي عملت على إطلاق المنصة رقميًا.

كيفية جمع البيانات والتحقق من صحتها ودقتها 

شرح لنا مسؤول جودة البيانات عمار ملا حسن، أنه يتم اتباع عملية تحقق دقيقة في جمع البيانات، حيث ذكر" أولًا، يجب أن أتأكد أن كل المعلومات مرتبطة بمصدر في الواجهة الخلفية للموقع، ثم أتحقق مما إذا كان هذا المصدر يعكس البيانات في أرشيفنا بدقة. وكخطوة أخيرة، نناقش بشكل جماعي موثوقية المصادر التي نستخدمها".

في حال عدم توفّر بيانات موثوقة تم الإبلاغ عنها من قِبل الفنانين أو أية مصادر طرف ثالث معترف بها، قد يعتمد الفريق على البيانات التي يقدمها الباحثون. على سبيل المثال، يذكر عمار: "إذا كنت أعرف فنانًا ما شخصيًا، وأعلم أنه من الإسكندرية، سنستخدم هذه المعلومة كحل أخير".

تحديات توثيق الموسيقى المستقلة

واجه بناء الأرشيف العديد من العقبات، من أبرزها تشكيل الفريق المناسب، كما ذكر فادي: "استغرق الأمر أكثر من شهرين لإيجاد أفراد تتناسب مهاراتهم مع نطاق المشروع والجداول الزمنية الصارمة". كما كان تحديد معايير جمع البيانات تحديًا بحد ذاته، حيث أضاف "على سبيل المثال، عند توثيق أصول الفنانين، قسمنا هذا التصنيف إلى مكان الميلاد والجنسية، مما أعطانا مساحة لتقديم صورة أكثر دقة عن الهوية الجغرافية والثقافية." تطرّق أيضًا لقيود الميزانية والوقت الضيّق، لكنه أكد أن الفريق أكمل رؤيته وعمله على المشروع بكل تفانٍ; "رغم هذه التحديات، التزمنا بتسليم منصة وظيفية في الوقت المحدد، بالرغم من أننا اضطررنا إلى تأجيل بعض الميزات الداعمة."

أهمية الأرشفة في العصر الرقمي

تنطلق هذه المبادرة من الإيمان بأن الموسيقى المستقلة ليست مجرد وسيلة ترفيهية، بل تعتبر أرشيفًا  ثقافيًا حيوي يعكس تطورات المجتمعات والهوية الإبداعية في المنطقة، وقد أكّد فادي على ذلك بقوله "نحن نؤمن بأن توثيق الموسيقى العربية المستقلة ضروري، لأنها جزء حيّ من الثقافة التي نراها في تطور مستمر، متصلة بجذور وهوية المنطقة."

وعلى عكس الأرشيفات التقليدية، يتميز أرشيف الموسيقى العربية المستقلة بقاعدة بيانات تفاعلية تُظهر العلاقات بين الفنانين والأنماط الموسيقية واللغات والجذور الجغرافية. ويؤكد فادي على هذه الفكرة قائلًا: "ما يجعل AIMA فريدة هو أنها ليست مجرد أرشيف جامد، بل منصة حية يمكن للفنانين والمجتمع الموسيقي المشاركة في تحديثها."

التوسع والتعاونات: مستقبل أرشيف الموسيقى العربية المستقلة

تستعد المبادرة لتوسيع نطاقها البحثي خارج مصر، مع التركيز على لبنان وفلسطين في المرحلة القادمة، لتوثيق مشهد الموسيقى المستقلة في العالم العربي بأسره على المدى البعيد. كما ذكر فادي أن الفريق بطور البحث عن شراكات مع باحثين ومتخصصين ومبادرات أرشفة للحفاظ على استدامة المشروع. "حاليًا، يعمل فريقنا بجهد للحفاظ على المنصة وتطويرها، مع البحث عن فرص تمويل جديدة لضمان استمراريتها والتوسع الإقليمي.". 

تتضمن الخطط المستقبلية أيضًا دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في جمع وتحليل البيانات، مما يضمن مواكبة الأرشيف لتطورات المشهد الموسيقي المستقل.

دعوة للموسيقيين المستقلين

تشجّع المبادرة كل الفنانين المستقلين بالمنطقة للمساهمة ببياناتهم لضمان توثيق إنتاجهم الموسيقي بدقة، وقد دعى فادي بذلك بقوله "من خلال المشاركة، يساهم الفنانون في بناء منصة تحتفي بتنوع الموسيقى العربية المستقلة". 

عبر قاعدة البيانات التفاعلية التي تقدّمها المنصة ومعايير البحث الدقيقة، يرسم أرشيف الموسيقى العربية المستقلة ملامح عصر جديد يركّز على توثيق الموسيقى المستقلة بالعالم العربي، حفاظًا على إرثنا وتاريخنا الموسيقي. 

استكشفوا الموقع الرسمي للمبادرة وشاركوا عبر aima.website