توسعت وتعدّدت استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، حتى أصبحت جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، إذ غيّرت الطريقة التي نتواصل بها، ونتبادل الأحاديث والمعلومات، كما كان لها تأثير كبير على معظم الصناعات، والموسيقى بحد ذاتها كانت واحدة من أكثر المجالات تأثّراً. سنسلّط الضوء في هذه المقالة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على اكتشاف الموسيقى.

دور وسائل التواصل الاجتماعي في تغيير اكتشاف الموسيقى

تم مناقشة اكتشاف الموسيقى عبر وسائل التواصل الاجتماعي في مقال نُشر مؤخراً باللغة الإنجليزية بعنوان (Music Is Just Right There on Social Media!: Discovering, Exploring, and Incorporating Songs Across Platforms.)، أي "الموسيقى موجودة تماماً هنا على وسائل التواصل الاجتماعي! اكتشاف واستكشاف ودمج الأغاني عبر المنصات". تناول هذا المقال طرق ارتباط الأفراد بالموسيقى عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكيفية تفاعلهم مع الموسيقى عبر التطبيقات والأجهزة المختلفة. كما ناقش كيف أصبحت الموسيقى جزءاً مهماً من القصص، والفيديوهات القصيرة، والريلز، والفيديوهات العادية، والصور، والمنشورات. فعلى سبيل المثال، أثبتت شراكة TikTok مع Billboard  لإنشاء قائمة "أفضل 50" في سبتمبر 2023، ليس فقط الدور المحوري للتطبيق في استهلاك الموسيقي، ولكن أيضاً الأهمية المتزايدة للموسيقى في تصميم وسائل التواصل الاجتماعي.

تناولت الدراسة نتائج مقابلة تهدف إلى استكشاف طرق التفاعل مع الموسيقى عبر وسائل التواصل الاجتماعي: اكتشاف الأغاني، ودمجها في المحاور الزمنية والمكانية للحياة اليومية. فيما يلي إحدى الإجابات من المقابلات:

"كنت أتصفح المحتوى على تيك توك، ثم ظهرت الأغنية أمامي، ثم ظهرت مرة أخرى، ثم ظهرت مرة ثالثة! هذا جعلني أفكّر: 'ما قصة هذه الأغنية؟' لأنك تركّز بالكثير من الأمور في نفس الوقت أثناء التصفّح التلقائي، ولا تهتم بالأغاني مرة أُخرى حتى تظهر أمامك بشكل مُتكرر. ثم تدرك أنك سمعتها من قبل. تبدأ الأشياء في التوافق وتصبح أكثر وعياً بالأغاني."

بالإضافة إلى ذلك، أصبح الناس الآن مدركين لدور الخوارزميات.

"أنا مدرك للخوارزمية. إذا اكتشفت موسيقى في ريل أو تيك توك، أذهب للبحث عنها على يوتيوب للاستماع إليها بالكامل. أعلم أن يوتيوب سيقدم لي على الأقل توصيتين متشابهتين، يمكنني استكشافها أكثر. يساعدني ذلك في اكتشاف أشياء جديدة أكثر وأكثر."

الاتصال بين الفنانين والجمهور

سمحت منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل، فيسبوك وإنستغرام للفنانين بمشاركة محتوى خلف الكواليس، والتفاعل المباشر مع المعجبين، وأحياناً حتى إصدار موسيقى جديدة أو الترويج لحدث موسيقي، مما جعل المعجبين أكثر حماساً لما هو قادم. كما مكّنت هذه المنصات للفنانين من التعاون مع بعضهم البعض، مما يعزّز الإبداع والابتكار.

بالإضافة إلى ذلك، أعطت وسائل التواصل الاجتماعي الفنانين القدرة على مشاركة حياتهم الشخصية، وشخصياتهم الحقيقية، وقصصهم اليومية، مما أدّى إلى تقوية الاتصال مع معجبيهم. كما وأصبح هذا الأمر ذا أهمية كبيرة في صناعة الموسيقى، حيث يميل المعجبون إلى دعم الفنانين أو الموسيقيين الذين يشعرون أنهم على صلة شخصية بهم.

التأثير الثقافي والعالمي

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في إحياء الموسيقى القديمة. أصبحت منصات مختلفة، مثل يوتيوب، إنستغرام، وتيك توك مراكز للموسيقيين لمشاركة موسيقاهم. كما عزّزت المنتديات والمجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي المخصصة للموسيقى الشعبية حس المشاركة بين المعجبين والموسيقيين، مما سمح بإجراء المحادثات، والتعاون الموسيقي، ومشاركة الذكريات.

بالإضافة إلى ذلك، تربط وسائل التواصل الاجتماعي الأشخاص عبر المسافات والأزمنة، مما يمكّن الجمهور من العثور على مجتمعات تشاركهم نفس الاهتمامات، والمشاركة بشكل إبداعي في الحياة العامة كما لم يحدث من قبل، حيث تعزّز الترابط بين الناس وتبرز عامل الفائدة المتبادلة في عالمنا الثقافي المتنوع. ونظراً لأن الموسيقى هي عنصر أساسي في الثقافة، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً محورياً في تعزيز تأثيرها العالمي وتسهيل اكتشاف الأصوات والفنانين الجدد.

وفي الختام..

لقد غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي الطريقة التي نكتشف بها الموسيقى. فهي موجودة في الأماكن التي نقضي فيها معظم وقتنا على منصات مختلفة مثل تيك توك، إنستغرام، ويوتيوب، وغيرها الكثير. تتيح للمستمعين اكتشاف ألحان جديدة وفي نفس الوقت تمنح الفنانين الفرصة للتفاعل المباشر مع متابعيهم. يعزز هذا الاتصال الإبداع والابتكار. كما وتعيد وسائل التواصل الاجتماعي إحياء التسجيلات المنسية وتربط بين الثقافات بشكل مميّز، مما يسمح لبعض الموسيقى بالعودة إلى الحياة وتجاوز الحدود الزمانية والمكانية والعمرية، ليكون تأثيرها ليس تقنياً فقط، بل ثقافي أيضاً، مما يجعلها عنصراً أساسياً في تجربة الموسيقى الحديثة.