حدث هذا للجميع في مرحلة ما: أغنية أو لحن يبدأ فجأة في التكرار في ذهنك، وبغض النظر عن مدى محاولتك، لا يمكنك إيقافه. سواء كانت أغنية بوب جذابة، أو إعلان تجاري، أو مقطوعة كلاسيكية، فإن هذه الأغاني يمكن أن تبقى في بالك لساعات أو حتى أيام. لكن لماذا يحدث هذا؟ الجواب يكمن في مزيج رائع من علم النفس، وعلم الأعصاب، ونظرية الموسيقى.

"الديدان الأذنية" (Earworms)

في عالم علم النفس الإدراكي، تشير "الديدان الأذنية" (Earworms) إلى مقطوعة من الموسيقى تتكرر تلقائيًا في ذهنك. وفقًا للأبحاث، فإن ما بين 90 إلى 98 في المائة من الأشخاص يعانون من هذه الظاهرة، وغالبًا ما يتم تحفيزها من خلال الاستماع إلى أغنية أو تذكر لحن يتردد صداه عاطفيًا أو إيقاعيًا.

في جوهر الظاهرة يكمن ميول الدماغ لتكرار أنماط معينة، والموسيقى، بتكرارها المنظم للنوتات والألحان والإيقاعات، تكون عرضة بشكل خاص لهذا التكرار. في الواقع، يزدهر الدماغ على الأنماط؛ فهو دائمًا يبحث عن التكرارات في البيئة، والموسيقى توفر ملعبًا مثاليًا لهذه الوظيفة الخاصة بالتعرف على الأنماط.

لماذا تعلق بعض الأغاني في ذهنك دونًا عن غيرها؟

ليست كل الأغاني لها نفس القدرة على التكرار في الذهن، فهناك عدة عوامل تؤثر على سبب ارتباط بعض المقاطع في أذهاننا:

الأنماط المتكررة

الأغاني التي تحتوي على إيقاعات أو ألحان أو كلمات متكررة أكثر عرضة لأن تصبح "ديدان أذنية". بساطة التكرار تسمح للدماغ بالتقاط النمط بسرعة. على سبيل المثال، يمكن أن تعلق مقاطع الكورال المتكررة في أغنية البوب بسهولة، حيث يملأ الدماغ الفجوات دون وعي، حتى عندما لا تستمع إليها.

الجمل الموسيقية الجذابة

"الجملة الموسيقية الجذابة" هو في الغالب الجزء الذي يظل عالقًا في الذاكرة، وعادةً ما تكون هذه الجمل قصيرة، ومميزة موسيقيًا، وموضوعة بشكل استراتيجي داخل الأغنية لجعلها أكثر تذكرًا. فكر في الجمل الموسيقية الجذابة للفنانين مثل ليدي غاغا أو الكورالات الإيقاعية في أغاني كوين.

الارتباط العاطفي

يمكن أن تلعب المحفزات العاطفية دورًا قويًا في ترسيخ الأغاني في ذاكرتنا، فالأغاني المرتبطة بلحظات مهمة في حياتنا أو التي تثير ردود فعل عاطفية قوية تكون أكثر عرضة للبقاء في الذهن. 

العناصر غير المتوقعة

الأغاني التي تحتوي على تحولات مفاجئة في الإيقاع أو تغييرات في المفاتيح الموسيقية يمكن أن تجذب انتباه الدماغ. هذه الانحرافات عن القاعدة تخلق مفاجأة عقلية، مما يؤدي إلى إعادة الدماغ تشغيل الأغنية في محاولة لفهم ما هو غير متوقع. التقدمات الوترية غير المعتادة أو الفواصل الموسيقية يمكن أن تحافظ على مشاركة الدماغ بنشاط، مما يزيد من احتمالية أن تصبح الأغنية "ديدان أذنية".

كيف يعالج الدماغ الموسيقى؟

فهم كيفية معالجة الدماغ للموسيقى يضيف المزيد من الفهم لظاهرة "الديدان الأذنية". عندما تستمع إلى الموسيقى، يتم تنشيط مناطق مختلفة من الدماغ. تعالج القشرة السمعية الصوت، بينما يشارك الحُصين في تكوين الذاكرة، وتساعد القشرة الأمامية في التعرف على الأنماط. معًا، تشكل هذه المناطق شبكة تعالج اللحن والإيقاع والمحتوى العاطفي للأغنية.

عندما تستحوذ "الديدان الأذنية" على عقلك، يكون الأمر كما لو أن الدماغ أخذ جزءًا صغيرًا من الأغنية وبدأ في تشغيله بشكل متكرر. قد يكون السبب في ذلك أن الدماغ يجد متعة في التعامل مع الأنماط، خاصةً تلك التي يمكنه التنبؤ بها. يتم تفعيل مراكز المكافأة في الدماغ، مثل النواة المتكئة، عندما نتوقع نتيجة موسيقية بنجاح، مما يعزز تأثير "الديدان الأذنية".

ومن المثير للاهتمام، أن "الديدان الأذنية" تحدث غالبًا عندما يكون الدماغ في حالة خمول نسبي، مثل عندما تكون تمشي أو تقود السيارة أو تقوم بالأعمال المنزلية. في هذه اللحظات، يملأ الدماغ الفراغ بالأنماط المألوفة، والموسيقى تمثل الخيار المناسب.

الشخصية وقابلية الإصابة بـ "الديدان الأذنية"

بعض الصفات الشخصية يمكن أن تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بـ "الديدان الأذنية" أكثر من غيرهم. على سبيل المثال، الأفراد الذين يميلون إلى التفكير الوسواسي أو الذين يعانون من مستويات عالية من العصابية قد يعانون من "الديدان الأذنية" بشكل متكرر، حيث يكون عقلهم أكثر استعدادًا للتشبث بالأفكار المتكررة. كما أن الأشخاص المبدعين والموسيقيين قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بـ "الديدان الأذنية"، لأنهم يميلون إلى التفاعل بعمق أكبر مع الموسيقى وأنماطها.

علاوة على ذلك، فإن الأشخاص الذين يستمعون إلى الموسيقى بانتظام ولديهم معرفة واسعة بالأغاني هم أكثر عرضة للإصابة بـ "الديدان الأذنية". حيث يمتلك دماغهم مخزونًا أكبر من الألحان ليستمد منها، مما يزيد من احتمالية إعادة تشغيل أغنية محددة في أذهانهم.

-

قم بزيارة موقع مدل بيست للحصول على مزيد من المعلومات حول عالم الموسيقى وتعرف على مهرجان ساوندستورم، أكبر مهرجان موسيقي في الشرق الأوسط.