تتميز الموسيقى الصينية بالعوامل التقليدية والمبتكرة على حدٍّ سواء، ما يعكس طبيعة الثقافة الصينية وما تضمّه من تنوع. تجدر الإشارة إلى أنّ الآلات الموسيقية الصينية ذات دور جوهري في التجربة الموسيقية والصوتية الخاصة بالصين، وتشمل آلة القوتشين، والأرهو، وآلة الديزي (الناي الخيزراني الصيني). 

تابع قراءة هذا المقال لتتعرف على هذه الآلات لتكتشف  الوسط الموسيقي الحديث، وما يضمه من تنوع عابر للحضارات والأنواع الموسيقية. 

أمثلة على الآلات الموسيقية الصينية التقليدية

• آلة القوتشين

تعدّ هذه الآلة الموسيقية الصينية التقليدية قانوناً خشبياً مسطحاً، يتكون من 21 وتراً، تمتد أفقياً عبر الآلة. ويتم العزف على آلة القوتشين من خلال النقر على الأوتار باستخدام ريشة ملحقة، تشبه التي تستخدم في القانون العربي. 

يتميز صوت هذه الآلة، والتي تعود أصولها إلى قبل 2.500 سنة، بدقة التعبير عن مختلف المشاعر، ما يجعلها آلة منتشرة وكثيرة الاستخدام في الموسيقى الصينية التقليدية والحديثة، حيث تأسر ألحان آلة القوتشين المستمعين من أنحاء العالم، وتقدّم لهم لمحة عن جوهر الموسيقى الصينية التقليدية.

• آلة الأرهو

تتكوّن آلة الأرهو من وترين، ويمكن مقارنة لحنها بعمق صوت الإنسان. يعود عمرها إلى ألف عام، وهي ذات عنق رفيع وصندوق صوت رنان، ينبع منهما صوت أخاذ. يمكن العزف على الأرهو كما العزف على الكمان، باستخدام القوس، الذي ينتج ألحاناً قادرة على التعبير عن الحزن، والسعادة، والاشتياق. ومع أنّ هذه الآلة ذات جذور عميقة في الموسيقى الصينية التقليدية، إلا أنّ تعابيرها العاطفية القوية شقّت طريقاً لها نحو الوسط الموسيقي الحديث. 

• آلة الديزي 

آلة الديزي من الآلات الموسيقية الصينية التقليدية، والتي تعدّ ناياً خيزرانياًَ مزيناً بالمنقوشات الدقيقة المتشابكة. تتميز هذه الآلة بالرنّة الخاصة التي تعبر عن الصفاء، ما يجعلها النموذج الصوتي الأول الذي يمثّل الصين القديمة. تمّ استخدام آلة الديزي على مدى آلاف السنين في الموسيقى التقليدية والفلكلورية، ما يشهد على المرونة الموسيقية لهذه الآلة. يمكن التعبير عن العديد من المشاعر من خلالها، ذلك بفضل وضعية الأصابع والفم التي تُطلق ألحاناً مميزة، مُعبرةً عن الجمال النقي للموسيقى الصينية التقليدية. 

الآلات الموسيقية الصينية في الموسيقى الحديثة  

لا تنحصر الآلات الموسيقية الصينية التقليدية على الموسيقى الصينية الكلاسيكية أو الفلكلورية فحسب، بل لها دور أساسي في الوسط الموسيقي الحديث، ذلك لما تقدمه من تنوع وحيوية لعدة أنواع موسيقية، ذلك عدا عن العمق والأصالة التي تضيفها للأعمال الموسيقية المختلفة. 

لألحان الصين التقليدية مكان هام في الموسيقى المعاصرة، ذلك من خلال التعاونات المبتكرة والدمج ما بين الأنواع الموسيقية العديدة. ولقد أدى مزج التقاليد بمختلف الأنواع الموسيقية إلى تعبيرات صوتية فريدة ومبتكرة تتجاوز الحدود وتأسر الحواس.

ومن أهم التعاونات التي تدمج الآلات الموسيقية الصينية التقليدية بالموسيقى المعاصرة كل من: 

• التعاون بين المغنية الأميركية أبيجيل واشبورن وعازفة القوتشين Wu Fei

لقد قدّم الألبوم المعنون بـ "Wu Fei and Abigail Washburn" دمجاً آسراً بين الفلكلور الأبالاشي (نسبة إلى جبال الأبالاش في أميركا الشمالية) والفلكلور الصيني، ذلك من خلال المزج ما بين آلة القوتشين الصينية التقليدية وآلة البانجو الوترية ذات الأصل الأميركي الشمالي. ويعدّ هذا الألبوم تعاوناً خلاباً عابراً للثقافات في مجال الموسيقى. 

• مشروع Shanghai Restoration Project

يضمّ المشروع المسمى بـ "Shanghai Restoration Project" ثنائياً موسيقياً من أصول أميركية وصينية، وهما الموسيقيان: Dave Liang و Sun Yunfan. يتميز عملهما الموسيقي بدمج الإيقاعات الإلكترونية الحديثة بأصوات الآلات الموسيقية الصينية التقليدية، مثل آلة الديزي والقوتشين. إضافة إلى ذلك، ربط هذا المشروع بين التقاليد الموسيقية الغربية والشرقية، والعناصر الكلاسيكية والحديثة، ذلك من أجل الوصول إلى توليفة معاصرة على الصوت الموسيقي الشرقي الأصيل. 

نرى من خلال هذين المثالين أنّ الحدود بين الأنواع الموسيقية تتلاشى، وأنّ الآلات الموسيقية الصينية التقليدية ذات دور أساسي في الوسط الفني الحديث. وينجم عن ذلك مشاريع موسيقية عابرة للقارات، حيث تأسر المستمعين من أنحاء العالم. 

مدل بيست: دورنا في عالمية الابتكار الموسيقي

لا يعرف الابتكار الموسيقي حدوداً في الوسط الموسيقي العالمي اليوم، كما أنّ الشركات الريادية مثل مدل بيست، تقوم بدور فعال في دفع آفاق الأنواع الموسيقية المختلفة. ولعل أهم الأمثلة على ذلك هو مهرجان مدل بيست الموسيقي ساوندستورم، والذي شهد على القوة التحولية للموسيقى. 

يجمع هذا المهرجان الفنانين من مختلف الأنواع الموسيقية ومن كافة أنحاء العالم، كما يضم الآلات الموسيقية الصينية التقليدية، مثل القوتشين، والأرهو، وآلة الديزي، والتي تشكّل جزءاً من الموسيقى الحديثة بمختلف أشكالها، خاصة الموسيقى الإلكترونية والهيب هوب. 

من الجدير بالذكر أنّ الفنان الفرنسي FKJ الذي أدى عرضاً في مهرجان ساوندستورم عام 2022، قد قام بدمج مشابه بين الأصوات الموسيقية؛ إذ مزج بين آلات الجاز الكلاسيكية، وآر أند بي، والموسيقى الإلكترونية، وغيرها. 

إذاً، يجسّد الاندماج الموسيقي لغة عالمية، تتلاشى معه الخلفيات الثقافية والحدود بين الأنواع الموسيقية، بينما يحتل الترابط فيما بينها وبين الآلات الموسيقية المختلفة مركز الصدارة.